الحياة معقدة وبمرور الوقت تزداد صعوبة أكثر وأكثر، وكلما ازدادت تعقدها كلما شعر الإنسان بالعجز أمامها وعدم قدرته على تحقيقه ما يريده فيها. وفي ظل عالم تسيطر عليه السوشيال ميديا، أصبح الإنسان محاصرًا بكم هائل من الإنجازات الفردية والتى تجعله يتساءل يومًا اسئلة كـ: ما الذي يميزهم عني؟ ما أنا مقارنة بهم؟ لا أستطيع الوصول إلى ما وصلوا إليه؟ حتى لو حققت شيئًا، سيسبقونى دائمًا بخطوات, فما الفائدة؟! اسئلة كهذه وأكثر نسألها لنفسنا يوميًا، أسئلة لا تسيطر على شعورنا الذاتي بأنفسنا في الوقت الحاضر فحسب، بل أيضًا تعيق نظرتنا إلى مستقبلنا وكيفية التحضير له من خلال مقالنا والذى نتحدث فيه عن معوقات التحفيز الذاتى وكيفية التغلب عليه، سنساعدك أن تضع أولى خطواتك نحو زيادة الثقة بنفسك بالإضافة إلى دفعها نحو الأمام.
ما المقصود بـ التحفيز الذاتى؟
يقصد بالتحفيز الذاتي كافة الدوافع والرغبات النفسية التي تدفع الشخص نحو تحقيق هدف معين أو رغبة محددة، بحيث لا يحتاج معها المرء إلى دعم من الأخريين أو مساعدة من أجل التحمس لفكرته أو المثابرة من أجل هدفه، بل هو نفسه يصبح أفضل مشجع ومساعد له، حيث يشجع نفسه دائمًا للوصول إلى الأفضل، ويمد يد المساعدة لذاته في حالات الضعف والهوان.
التحفيز الذاتي يعد نوع من التطور النفسي لشخصية الفرد؛ فالفرد القادر على فهم نفسه جيدًا وفهم ما ترغب فيه وما تطمح إليه، وما تحتاج إليه من محفزات، هو الشخص الذى تمكن من الوصول إلى نقطة من السلام النفسى بحيث يتعامل مع كل من نقاط قوته وينميها، ويعرف نقاط ضعفه ويضع خطة للتغلب عليها. متجاهلًا في هذه الرحلة تأثير الآخرين من كلمات أو أفعال سلبية، حاجة المرء لتقدير الأخرين وثنائهم، وكذلك رغبة النفس الداخلية في الراحة كخيار أول بدلًا من بذل المجهود والمعافرة.
يتشابه التحفيز الذاتى بحديث النفس لكنه أكثر تخصيصًا وقوة، فحديث النفس قد يكون مجرد حديث داخلي لا ينتج عنه أى رد فعل، قد ينتج عنه شعور بالأسى على النفس أو أحلام يقظة مؤقته سرعان ما تنتهي بالرجوع إلى الواقع. لكن التحفيز الذاتي هو أشبه بنداء يقظة دائم يدفعك نحو الأمام، يذكرك بأهدافك أولًا، يحيك عندما تثبط عزيمتك، يقويك عندما يتخلل الضعف همتك، ويسندك عندما تحتاج إلى الدعم ولا تجده؛ ففى الأوقات الحالكة يعد التحفيز الذاتى هو أول شعاع نور يتم إضاءته في طريقك,
للتحفيز الذاتي 5 عناصر هامة تتحكم في شدته ومستوى تأثيره، وكلما كانت هذه العناصر أشد وجودًا في الشخص كلما كان معدل التحفيز الذاتي لديه كبيرًا ولديه فرصة أكبر للنجاح. وهذه العناصر الأربعة هم:
- نظرة جيدة للنفس: يتصف الشخص القادر على تحفيز نفسه ذاتيًا بإمتلاكه نظرة إيجابية نحو نفسه، فهو لا يحط من شأنها أو من قدراتها أو حتى يحتاج إلى ثناء من الأخريين لتدعيم ذلك؛ فهو يعرف قدر نفسه جيدًا ولا يتهاون مع أى شيئ قد يحط من شأنها ولا يقبل بأى وضع لا يتناسب معها ويسعى دائمًا نحو منحها الأفضل حتى لو أدى ذلك إلى التغيير المستمر والهروب من منطقة الراحة دائمًا.
- رغبة داخلية للتميز: الرغبة الداخلية للمرء في التميز والحصول على الأفضل، هى التي تدفعه دائمًا نحو منح أفضل ما لديه وعدم التكاسل في بذل أى مجهود فيه؛ فالرضا عما هو قائم بدون العمل على منحه ميزة أو قيمة حصرية، لا يتناسب مع الطابع النرجسى الإيجابي بداخله، فهو في نظر نفسه يستحق أفضل من ذلك ويستطيع أن يقدم أكثر بكثير عما يقدمه غيره، فلماذا يرضى بالقليل؟
- المبادرة: يتميز التحفيز الذاتى بوجود المبادرة كعنصر فعال فيه؛ فالشخص دائمًا ما يستطيع أن يبصر الفرص المعروضة ويبادر في انتهازها على الفور؛ فإذا رأى الشخص أن مجالًا ما سيكون متربعًا في عرش المجالات مستقبلًا، يبادر في بدء التعلم في أساسياته من الآن، إذا اكتشف أن هناك منصب سيخلو قريبًا وهو بحاجة لإثباته نفسه حتى يصبح مرشحًأ مثاليًا لذلك، لن يتهاون في إثبات نفسه وتطوير ما لديه من مهارات بالفعل. فالتحفيز الذاتي بجانب كونه دافع نفسي نحو التطور والارتقاء، إلا إنه أيضًا اشبه بدافع جسدى يجعل المرء يمتلك الشجاعة والقوة الكافية، التي تتناسب طرديًا مع حجم أحلامه وقوة الأهداف التي يسعى إليها.
- التفاؤل: يتسم التحفيز الذاتى بنزعة تفاؤل إيجابية تعد هى وقوده ومحفزه الأول نحو الاستمرار؛ فإذا إمتلك المرء كافة العناصر من الثقة بالنفس والرغبة في التميز والمبادرة، ولكن بعد فترة تملكه اليأس أو التشاؤم أو حتى قلت حماسته، فكل هذه العناصر لن تحدث تغييرًا حقيقًا في روتين يومه أو في مدى قابلية تحقيقه للأهداف، بل التفاؤل وحده هو القادر على مساعدته على رؤية نصف الكوب الإيجابي، هو القادر على مساعدته في النهوض بعد الكبوات التي سيتعرض إليها في الطريق، وهو أيضًا الذي سيذكره بنتيجة الطريق الذي يطمح فيه، وسيجعله يتحمل كافة الصعوبات التي يلاقيها خلاله.
- الإلتزام: يتطلب التحفيز الذاتى قدرًا من الالتزام والمسؤولية إتجاه ما يطمح به المرء ويرغب في تحقيقه؛ فبدونه تصبح هذه الأهداف بمثابة أحلام يقظة وردية أو محاولات فاشلة دائمة التكرار؛ فإذا أكتفى المرء بالوصول إلى نصف الطريق وقرر عدم الإستمرار، أو بدء كورسًا مهنيًا هامًا وشعر بعدم الإهتمام بعد فترة، أو قل شغفه إزاء ما يقوم به وقرر الخضوع لمنطقة الراحة؛ فهنا يتدخل التحفيز الذاتي لإجباره على الإستمرار، لا لإكمال الطريق فحسب، ولكن لأنه إذا لم يكمل ذلك، فداخليًا لن يشعر بالراحة أو الرضا عن نفسه مطلقًا، لذلك سيبذل كل ما لديه من مجهود لتخلص من شعور التأنيب المستمر هذا.
الثقة بالنفس والرغبة في التميز والمبادرة والتفاؤل وكذلك الإلتزام، خمسة عناصر رئيسية للشخص الناجح، حيث تتضافر جهود كل عنصر في تحفيز الفرد داخليًا ودفعه نحو الأمام؛ ولكن خلال هذا الطريق يقابل المرء العديد من المعوقات والتى تجعله غير قادر على المقاومة أو حتى المحاولة للتغيير، فما هى معوقات التحفيز الذاتي وكيفية التغلب عليها، هذا ما نتناوله بالتفصيل خلال الأسطر القادمة.
لكل فعل رد فعل، ولكل فعل إيجابي، فعل سلبى له موازي في نفس القوة والاتجاه، لذلك لا داعى للاستغراب عندما نقول أن معوقات التحفيز الذاتى تماثله في نفس التأثير والقوة؛ فكما يتمكن التحفيز الذاتى من تغير حياة المرء للأفضل وتحسينها باستمرار، بإمكان معوقات التحفيز الذاتى تحويلها إلى كابوس حي كالآتي:
- الاكتئاب: يعد الاكتئاب أقوى خصوم التحفيز الذاتى، فبجانب كونه ألد أعداء الصحة النفسية ومن أكثر الأمراض المنتشرة في وقتنا الحالي، إلا إنه يمثل خصمًا لا يستهان به في منافسة التحفيز الذاتى داخل الفرد تحديدًا؛ فالفرد المصاب بالإكتئاب لا يمتلك اصلًا الرغبة في الحياة أو يشعر بقيمتها الحالية، فهو مفتقد معناها ولا يجد فيها ما يدفعه للمقاومة والتغيير، لذلك يصعب التعامل مع مريض الإكتئاب أو دفعه نحو التغيير بسهولة، فبجانب كون الأمر يحتاج إلى تدخل من طبيب نفسى مختص، إلا أن أى محاولة خاطئة في تشجيع المريض قد تزيد من شعوره بعدم الأهمية وتضخم المقارنات السلبية التي يقوم بها نحو نفسه والآخرين، وهو بالطبع ما يجب تجنبه مع مصابين الإكتئاب لنتائجه السلبية على صحتهم النفسية.
- التواكل: يعد التواكل واحدًا من المعوقات الأشهر في عملية التحفيز الذاتي؛ فإذا كنت معتمدًا كليًا على الآخريين، أو دائمًا ما لا تكتمل خطوات إلا بوجود شخصًا معك، أو لا تثق في أدائك إلا إذا قام أحدهم بالثناء عليه؛ فأنت هنا في مرحلة خطرة من مراحل تدمير الذات؛ فالحياة لا تسير على منوال واحد، فمن يشجعك الآن، قد ينقلب ضدك مستقبلًا، ومن يتشابه مع أرائك، قد تختلفوا سويًا في نقطة ما، وما تراه أنت إستثنائيًا، قد يجده الآخر عاديًا أو أقل، وما تجتهد أنت لتحقيقه، قد يكون في هامش إهتمامات الأخريين، فهل حينها ستهدم كل جهودك وتستغنى عن جميع أحلامك، لأن البعض لا يستوعبها جيدًا أو حتى لا يهتم بها؟
- الصحة الجسدية والنفسية: تعد الصحة بشقيها النفسي والجسدي عامل مؤثر وفعال في عملية التحفيز الذاتي؛ فالشعور الدائم بالإرهاق والضعف وكذلك الآلام، يعمل بشكل غير مباشر على التأثير على أولويات الفرد؛ فبدلًا من إختيار مسار وظيفي يحتاج إلى بذل مجهود والكثير من القوة، سيخضع المرء للإختيارات المتاحة أمامه والتى تتناسب مع قوته الجسدية والنفسية.
- الاستعجال والمبالغة في التوقعات: جميعًا لدينا تلك اللحظة التي نتحمس فيها لشيئًا ما وننجرف نحو تنفيذه دون الإهتمام بوضع خطة مسبقة أو دراسة الأمر بتمعن، وسرعان ما يتبخر هذا الحماس ويتم استبداله بفتور مشابهه في القوى، يجعلنا نستسلم سريعًا وسرعان ما نتخلى عن هذا الهدف. وعندما يتكرر الأمر في أهداف ومواقف أخرى، سرعان ما يتكون داخل المرء قناعة بعدم جدوى خططه وعدم صلاحيته للتطور مهما حصل، وهو آمر مغاير للحقيقة بالطبع؛ فالمشكلة هنا ليست فى المرء ولا في خططه، بل في عدم التخطيط السليم لها من البداية ووضعها في حجمها الطبيعي التي تستحقه.
- تملق الآخرين: رضا الناس غاية لا تدرك، وإذا وضع المرء إجماع الأخريين على أهدافه أو إعجابهم بها مقياسه الأول في الحياة، فيكون بذلك قد وضع مقياسًا للفشل لا للنجاح؛ فبجانب كون نسبة لا بأس بها من الناس لا ترغب في وجود ناجحين حولها حتى لا يشعرهم ذلك بإخفاقتهم، إلا أن مقابل كل هدف تتخلى عنه بهدف إرضاء الآخرين، يخرج منهم شخص يستغل هو هذه الفرصة لصالحه بدلًا عنك؛ فإذا لم تقم أنت بإختيار الأفضل لك، ستكون ضمن خطط الأخريين لبناء مستقبلهم، ولن يتباكى احدًا معك على حلمك الضائع؛ فهم قد حققوا أحلامهم بأنفسهم ولم يحتاجوا إلى اراء أحدًا آخر لتدعيمها. فإذا كنت تنتظر رضا الناس على أهدافك، فكر مرة ثانية.
- الجمود الفكري: الكون في حركة مستمرة وكذلك نحن البشر، وأى محاولة للثبات أو مقاومة هذا التغير هى محاولة خاسرة، باءت بالفشل قديمًا، وستفشل الآن، وستفشل مستقبلًا؛ لذلك أى حالة من حالات الجمود الفكرى أو عدم القدرة على مواكبة تغيرات الحياة والتأقلم معها، هى محاولة ناجحة للإنتحار المعنوي، فكيف سيحفز الشخص ذاته على التطور إذا لم يوجد لديه اقتناع بأهمية تغير ما هو قائم بالفعل؛ فمنطقة الراحة الذي يمكث فيها الآن، أفضلًا خيارًا من مخاطرة غير محسوبة من الأفضل عدم القيام بها.
بالرغم من المعوقات السابقة لا يستهان بها في التأثير على عملية التحفيز الذاتى للمرء، إلا أن يمكن التغلب عليها بسهولة عن طريقة إتباع النصائح الآتية:
- اللجوء إلى طبيب نفسى على الفور في حالة الشعور ببوادر الإكتئاب أو إحساس داخلي بالنظرة الدونية نحو النفس.
- تدعيم النفس دائمًا بعبارات إيجابية والتركيز على نقاط قوتها وتدعيمها بكل أساليب التطوير الممكنة.
- عدم ربط خططك الشخصية بخطط الآخرين أو الاعتماد عليهم في طريقة تحقيقها.
- البعد عن الأشخاص السلبيين وأصحاب النظرة التشاؤمية والتى يتسبب كلامهم أما بإضعاف ثقتك بنفسك أو إحاطتك بهالة من الحزن والقلق الدائم.
- النظر إلى أبعد ما تراه عيناك، بحيث يمكنك رؤية نتائج الفرص المتاحة وتأثيرها على مجرى حياتك، وتبصر أيضًا المخاطر التي قد تنتج على الإلتزام بمنطقة الراحة وعدم مغادرتها.
- وضع خطط منطقية تتناسب مع قدراتك ومستوى مهاراتك، وتتناسب أيضًا مع الواقع المحيط وحجم التسهيلات والمعوقات التي تقابلها في الطريق.
- تقسيم الأهداف الكبرى إلى أهداف أصغر؛ بحيث يسهل عليك بناء خطة زمنية متقنة، تتمكن فيها من تنفيذ كل هدف على حدى خلال فترة زمنية، كما إنها تدعم الشعور الذاتي بالإنجاز على فترات متقاربة، فكلما أنجزت هدفًا، كلما زاد تقديرك لنفسك وشعورك بقيمتها وقدرتها على الإنجاز الحقيقة.
- التغلب على لحظات التشكيك في النفس التي تأتي من وقت لآخر، وذلك بتذكير النفس بما حققته من إنجازات بالفعل أو ما مرت عليه من مصاعب وكانت قادرة على تجاوزها. يمكن تحقيق ذلك أما بكتابة كل إنجاز تقوم به في ورقة وتضعها في صندوق تتفحصه كلما شعرت بالضعف، أو كتابة إنجازاتك أو أهداف على board والنظر إليها يوميًا.
- لا بأس من طلب آراء الآخرين من وقت لآخر، فأرائهم ستساعدك في رؤية الجوانب الغائبة عنك، كما ستساعدك على تطويرها ووصلوها إلى صورة أفضل من صورتها الأولية، لكن لا تجعل أرائهم تدخل في طبيعة أهدافك أو طريقة تحقيقها، فلكل شخص منظور وهدف مختلف، لا يجب بالضرورة أن يتفق معك.
ثقة الشخص بذاته وتقديره لأهدافه والعمل على تحقيقها ليس بالشاذ عن القاعدة أو الإستثنائي في حياة الأفراد، بل هى ضرورة من ضروريات الحياة لكى يشعر الإنسان بقيمته ويغير من واقعه ويساعد في بناء مجتمع أفضل للجميع. فإذا كنت تعانى من نوبات قلق من ما هو مجهول أو تتخبط في رسم خطتك المستقبلية، أو تعانى من قلة دعم الآخرين لك، فإن الأوان قد حل للتخلص من كل معوقات التى تحيط بك، والبدء في تحفيز نفسك ودفعها نحو الأمام. وإذا رغبت في مزيد من المساعدة الإحترافية، لا تتردد في دراسة كورس تغير وهندسة الذات، والذى يساعدك على إعادة تقييم نفسك وإعادة هندستها بالشكل الذي يتجاوب مع كلا من طموحاتك وأهدافك.