في كتير من رواد الأعمال ممكن يتجاهلوا النجاحات الصغيرة اللي بيحققوها في طريقهم لتحقيق مشروعهم، وفي المقابل بيضخموا الصعوبات اللي بتواجهم لدرجة إن بعضهم بيقرروا يوقفوا محاولاتهم ومابيكملوش حلمهم رغم إنه وارد جدًا يكونوا على وشك تحقيقه وده لأنهم مكنوش صبورين ومرنين كفاية، علشان كده هنقدم لكم قصة نجاح استثنائية شوية لأن صاحبها تشبث بحلم طفولته وجري وراه من مدينة لمدينة ومن بلد لبلد ومن قارة لقارة كمان لحد ما خرج للنور.
خلينا نتخيل مع بعض حياة طفل صغير اسمه "جيرار نيونديكو" نشأ في قرية أفريقية صغيرة في جنوب "بروندي" مفيهاش كهرباء ولا تليفونات ولا أي خدمات خالص وبينتمي لعائلة أغلبها من المزارعين اللي شايفين إن التعليم ده تضييع وقت، الطفل ده كان خياره الوحيد من أول ما اتولد هو إنه يتشبث بحلمه لأنه من البداية كان بيمتلك فكر مختلف تمامًا عن عيلته ورفض يكون مزارع زيهم وكان نفسه يتعلم علشان يكون دكتور رغم إنه عارف إن كلية الطب هناك تعتبر كلية النخبة فقط.
العقبة الأولى اللي واجهها جيرار كانت إن مفيش مدارس في محيط بيتهم لكنه صمم على اختياره وقعد طوال سنوات دراسته المدرسية يمشي يوميًا ما يقرب من 16 كيلومتر بدون حذاء في طريق صخري غير ممهد علشان يحقق الخطوة الأولى اللي هتوصله لحلمه.
ولما وصل جيرار للمرحلة الثانوية اجتهد جدًا لكنه معرفش يجيب تقدير عالي وبقى مستحيل إنه يدخل كلية الطب لكنه برضه مستسلمش وقرر يدرس الكيمياء الحيوية في جامعة بروندي لأنه كان شايف إن التخصص ده هيحققله جزء من حلمه بأنه يكون مؤثر وإنه يلاقي حلول للمشكلات اللي بيواجهها الناس البسيطة واللي هو كان متصور إنه يقدر يحققها من خلال عمله بالطب.
كمان كان أحد أسباب اختياره لقسم الكيمياء هو إن القرية اللي نشأ فيها كانت مشهورة بزيت النخيل اللي هو يعتبر المادة الخام الأساسية اللي بتعتمد عليها صناعة الصابون في بلده واللي بيسيطر عليها ناس أغلبهم متعلموش أصلًا فده خلاه يعيد تشكيل حلمه ويبقى عنده ثقة كاملة في إنه لو دخل المجال ده هيقدر يتفوق على المنافسين بتوعه.
ولأن جيرار كان اتعلم من تجربته الأولى إن امتلاكه لحلم مش كافي وإنه لازم يحط خطة واضحة علشان يقدر يوصل للي هو عايزه قرر إنه هيبدأ يستثمر جزء من فلوسه في مشروعات صغيرة على أمل إنه يحقق منها مكاسب أكبر تتيح له تحقيق حلمه الجديد بامتلاك مصنع للصابون، وكمان بدأ يدور على منح علشان ياخد الماجستير لأنه كان مؤمن إن الخطوة دي ممكن تسهل عليه الوصول للي بيحلم بيه.
لكن لأن أحلامنا في كتير من الأحيان بتختبر قدرتنا على التحمل والصبر في سبيلها، خسر جيرار فلوسه اللي استثمرها في المشروعات الصغيرة وقعد 6 سنين يقدم في منح علشان ياخد الماجستير ويترفض، لحد ما في السنة السابعة اتقبل الملف بتاعه في معهد المياه والهندسة البيئية في بوركينا فاسو ولأن زوجته كانت مؤمنة بيه شجعته على إنه يسافر ويسيبها رغم الأزمة المالية اللي كانت بتعاني منها أسرتهم الصغيرة.
وهنا كانت اللحظة الفارقة في حياة جيرار وحلمه ومشروعه لأنه في المعهد سمع لأول مرة عن مصطلح ريادة الأعمال وخطة ونموذج العمل وبالتدريج بدأت فكرة مصنع الصابون تتطور لحد ما وصلت لصيغتها النهائية اللي هي كانت بتتفق مع حلمه الأول ورغبته في إنه يصنع فرق في حياة الناس بإنه يساعدهم على التغلب على مشكلة بيعانوا منها فقرر إنه يصنع صابونة من مكونات طبيعية طاردة للبعوض علشان تكافح وباء الملاريا خاصة إن في حوالي 270 مليون شخص في أفريقيا، أغلبهم من الأطفال والنساء، بيعيشوا من غير أي حماية منه.
وأثناء دراسته بالمعهد اتعرف جيرار على "مكتار دمبليه" اللي عجبته فكرة جيرار جدًا واقترح عليه إنهم يدخلوا بيها مسابقة "المشروع الاجتماعي العالمي" اللي بتتعمل في مدينة بيركلي بولاية كاليفورنيا الأمريكية، واختار الصديقان اسم "Faso Soap" "فاسو سوب" لمشروعهم اللي مش بس اتقبل في المسابقة لا ده كمان قدر يتفوق على المشاريع التانية اللي مشاركة من مختلف دول العالم وحصل على المركز الأول كأفضل مشروع مؤثر اجتماعيًا وبيئيًا وجائزة مالية 25 ألف دولار.
ولأن جيرار ومكتار كانوا أول طلاب أفارقة يحصلوا على الجائزة دي ولأن فكرة مشروعهم كانت مختلفة جدًا بدأت وسائل الإعلام العالمية تكتب عنهم، وده أتاح بالتدريج لمشروع "فاسو سوب" شراكات مع بعض مصنعي الصابون والمنظمات غير الحكومية بشكل سمح لجيرار بإنه يطور المنتج بتاعه ويخليه أكثر فاعلية في الوقاية من الملاريا تمهيدًا لإنتاجه على نطاق واسع.
في الآخر كل واحد فينا هيلاقي أسباب كتيرة جدًا لنجاح جيرار زي إنه أمن بنفسه في الوقت اللي أهله كانوا شايفين إن اللي بيعمله ده تضييع وقت وإن ده خلى عنده إصرار أكبر إنه يعمل حاجة، كمان ذكاءه في قراءة احتياج السوق، ومرونته اللي خلته ما يتمسكش بالخطة اللي حطها للوصول لهدفه وإزاي ده ساعده على تطوير حلمه للأفضل.
لكن جيرار نفسه كان شايف إن المثابرة، والمشاركة، والمخاطرة، هما أسباب نجاحه لأن الأولى هي اللي هونت عليه الطريق لحلمه خاصة إنه كان طويل جدًا وكان في صعوبات مخطرتش في باله خالص.
والثانية كانت السبب الأساسي لخروج مشروعه للنور علشان كده هو بينصح رواد الأعمال إنهم ما يترددوش في إنهم يحكوا عن شغفهم وحلمهم للناس، سواء بسبب الخوف من السخرية أو السرقة، لأن المنافع اللي هتعود عليهم من ده في الواقع أكتر بكتير من الأضرار.
أما الثالثة فهي اللي بتسمحلنا بقبول الفرص اللي تبدو صعبة لينا لكنها بتكون سر نجاحنا.