لطالما خلط الناس بين مفهومين تخطيط القوى العاملة وتخطيط الموارد البشرية، والحق يقال ان هذا الخلط مبرر بعض الشيء كون المصطلحان متقاربان في الوعي الجماعي، لكن عندما تنخرط في مجال العمل الاحترافي، تعرف جيدًا أن كل منهم يتمتع بدور مختلف تمام في العملية الإدارية، مع أن هذا لا يمنع أن كلا منهم يعتمد على الأخر كذلك.

في هذا المقال سنركز على حل معضلة الخلط بين مفهوم تخطيط القوى العاملة وتخطيط الموارد البشرية، وذلك بتوضيح دور كلا منهم بالتفصيل وكذلك أهم الاختلافات التي تساعد في التفريق بينهم وأهمية كل دور وتأثيره للمنظمات كذلك.

ما هو مفهوم تخطيط القوى العاملة؟

لكى نبسط مفهوم تخطيط القوى العاملة بطريقة سلسة، دعنا نشرح الأمر بالمثال الآتي:

تسعى للوصول من نقطة أ إلى نقطة ب في وقت قياسي وليكن 10 دقائق، لكنك لا تمتلك الجهد الكافي للوصول إلى نهاية الطريق في هذا الوقت الوجيز، كما لا تمتلك القوة والمهارات التي تعينك على الوصول إلى نصفه حتى، هذا بالطبع بجانب عدم امتلاكك لوسيلة مواصلات مناسبة تساعدك في تحقيق هذا الهدف بسهولة، ماذا ستفعل؟!

أمامك خيارين، الأول أن تتغاضى عن هذه الرحلة تمامًا وتعترف إنك لست أهلًا لها، أو تدرس العقبات التي تمنعك من بلوغها وتسعى لتغلب عليها بالتدريج، بحيث تحدد احتياجاتك والهدف الذي ترغب فيه، ثم التحديات التي ستواجهك والموارد التي تمتلكها، ومن ثم الخطوات التي يجب عليك إتباعها وكذلك الطريقة التي ستقيس بها جودة كل خطوة وما إذا كانت تساعدك في تحقيق الهدف فعلًا أم تحتاج إلى إعادة تقويم.

الخيار الثاني عزيزي القارئ هو بالضبط ما تقوم به عملية تخطيط القوى العاملة في الشركات، فمن خلالها يتم تحديد المنهجية التي ستلجأ إليها الشركة للحصول على إمدادات مستمرة من الأشخاص والقوى العاملة التي ستحتاجها لضمان استكمال نشاطها.

أي أن مفهوم تخطيط القوى العاملة يعنى العملية التي تقوم بها المؤسسة بتحديد المهارات والخبرات الفنية والمهنية والشخصية التي تحتاجها سواء في الوضع الحالي أو المستقبلي لضمان استمرارها في السوق، وهي بذلك عملية تتسم بما يلي:

مركزة على المهارات والقدرات لا الأشخاص بحد ذاتهم
تركز مهامها بشكل أساسي على العرض والطلب أى إنها محكومة بالتنبؤات والتغيرات المستمرة في المجال.
مسؤوليات التخطيط فيها محدودة بالجانب الكمي والعددي للعمالة المطلوبة لا أكثر من ذلك.
لا تركز على الجانب البشرى بكونه فرد إنما كونه عنصر من عناصر التشغيل في المؤسسة ويجب توافره لكي يستمر النشاط في عمله.
يتم تطبيق العمل فيها على نهج تقليدي متبع في أغلب الشركات ومتشابه في الخطوات إلى حد كبير.
الموظفين بالنسبة للقائمين على تخطيط القوى العاملة هم قيود أو عقبات يجب تذليلها لصالح تحقيق الهدف
تركز على المستقبل أكثر من الحاضر بشكل كبير.

إذن مما سبق، يمكن أن نستنتج أن عملية تخطيط القوى العاملة هي عملية يتم فيها التعامل مع القوى البشرية كونها متطلب واحتياج أساسي للمؤسسة يجب توفيره بشكل دوري ومستمر، مع مراعاة الميزانية الخاصة بالمؤسسة وتقلبات السوق والمهارات المتاحة فيه كذلك.

ما هو مفهوم تخطيط الموارد البشرية؟

في المثال السابق، كان الخيار الثاني هو الأقرب لمفهوم تخطيط القوي العاملة، لكن هل الخيار الأول في هذه الحالة وهو الاستسلام هو الأقرب لتخطيط الموارد البشرية؟!

الإجابة هي نعم ولا في نفس الوقت. أي إن في حالة استسلامك لهذه السيناريو، فأنت هنا تعترف بوجود تقصير ما في مهاراتك وخبراتك المهنية والشخصية، وتعرف إنك لا تمتلك القوة الكافية لتحقيق هذا الهدف. فهذه الحالة فأنت تنظر إلى المشكلة بنظرة شاملة تساعدك على الوقوف على السبب الرئيسي لها وفي نفس الوقت تتمكن من إيجاد الحل المثالي لها.

بمجرد معرفتك للمشكلة التي تواجهك، فأنت أيضًا من ناحية أخرى تعرف العائق الذي يواجهك وبالتالي الخطوات التي يجب عليك إتباعها للتغلب عليه، فإذا كان ضعف قوتك، فحينها يجب عليك أن تلزم نفسك بتدريب رياضي قاسي يجعلك مؤهل لتصل إلى وجهتك دون تعب.

إذن هنا أنت بحثت عن المشكلة وحددت السبب فيها وقمت بتحفيز نفسك واهتممت بصحتك بالشكل الذي يجعلك تسعى لتحقيق الهدف بسهولة من ناحية، ومن ناحية أخرى تضيف فائدة لنفسك من ناحية أخرى وهي الصحة الجسدية.

هذا بالضبط ما تقوم به إدارة التخطيط للموارد البشرية، فهي إدارة لا تهتم بتوفير المورد أو الاحتياجات الخاصة بالشركة فحسب، بل تعمل على اتجاهين في نفس الوقت، اتجاه يخدم حاجة المؤسسة، واتجاه آخر يهتم بالموظفين أنفسهم ورغبتهم في التطوير الذاتي والحصول على احتياجاتهم وحقوقهم المشروعة.

وبذلك يمكن توضيح مفهوم تخطيط الموارد البشرية، بكونها العملية التي يتم فيها تحديد متطلبات المؤسسة من العمالة البشرية وتوفيرها أما للوضع الحالي أو المستقبلي، مع مراقبة هذه العملية وإدارة فعاليتها وضمان تطويرها بشكل مستمر.

وبذلك يمكن تلخيص أهم الصفات التي يتميز بها عملية تخطيط الموارد البشرية بالآتي:

تركز على الجانب الشخصي في الاختيار أي إن التركيز الكلي يكون منصب على الفرد الذي يتم اختياره ومهاراته ومعتقداته وقناعته الشخصية وكذلك طموحاته المهنية وما يتميز به من خصال.
يدخل فيها الجانب التحفيزي والتوجيهي بشكل كبير، إذا يساعد هذان الاتجاهان في دفع الموظف إلى التطوير والقيام بالمهام بالطريقة الفعالة لتحقيق الهدف.
تغطي هذه العملية كافة الجوانب الكمية والكيفية في عملية التوظيف إذا يتم النظر فيها إلى حاجة المؤسسة من عدد العمالة وكذلك طبيعة الخبرات والأشخاص المطلوبين أيضًا.
تهتم عملية تخطيط الموارد البشرية على تطوير العمالة بحيث تواكب المتطلبات السوقية المستمرة.
تهتم بجانب المهارات المهنية على القدرات الشخصية والقيم والمعتقدات الفردية ومناسبتها لسياسة العمل واتجاهات المؤسسة الخاصة.
هي عملية تتم على نطاق مؤسسي واسع ولا تختص بإدارة بعينها أو وظيفة بذاتها، بل تشمل كافة الوظائف والإدارات في المنظمة.
تتعامل إدارة تخطيط الموارد البشرية مع العمالة كونها أحد أصول المؤسسة واضلاعها الرئيسية التي يجب الاهتمام بهم وتنمية قدراتهم بشكل دوري ومستمر.
يدخل الجانب الإنساني في عملية التخطيط بشكل كبير وأحيانًا ما يكون الغالب في بعض المواقف.
نهج التخطيط في إدارة الموارد البشرية دائمًا ما يكون غير ثابت وغير تقليدي وعادة ما يتغير بتغير الطريقة التي يتم فيها إدارة المؤسسة وطبيعة العمل فيها كذلك.

مما سبق، يمكن فهم أن عملية تخطيط إدارة الموارد البشرية هي عملية تهتم بالجانب الإنساني والعملي للمنظومة في نفس الوقت وتسعى لتلبية احتياجاتها بدون أن يؤثر ذلك على أهداف المنظمة وحقوق الموظفين فيها.

ما الفرق بين تخطيط القوى العاملة وتخطيط الموارد البشرية؟

وضحنا في الأمثلة مفهوم كل من تخطيط القوى العاملة وتخطيط الموارد البشرية وأهم السمات الخاصة بكل عملية منهم، وهو بدوره ما يجعلك إذا وصلت إلى هنا تدرج الفروق الأساسية بين كلا المفهومين، وما يمكن تلخيصه في النقاط الآتية كالآتي:

تخطيط القوى العاملة تركز على الأفراد كونهم عناصر في العملية التشغيلية بينما تركز تخطيط الموارد البشرية على كونها أصول هامة يجب الاهتمام بهم.
تركز عملية تخطيط القوى العاملة على الجانب الكمي للأفراد المطلوبة لسد الاحتياجات، بينما تركز تخطيط الموارد البشرية على الجانب الكمي والكيفي في طبيعة المهارات المطلوبة والسمات الأساسية للأفراد وحدود خبراتهم.
تركز عملية تخطيط القوى العاملة على الاحتياجات المستقبلية للمؤسسة، بينما تركز تخطيط الموارد البشرية على الحالي والمستقبلي على التوازي.
المنهج المتبع في تخطيط القوى العاملة هو منهج تحليلي ومنطقي بينما المنهج المتبع في تخطيط الموارد البشرية يجمع ما بين الجانب العاطفي والتحليلي في نفس الوقت.
يركز تخطيط القوي العاملة على تسكين الأشخاص في الوظائف المتاحة، بينما تركز تخطيط إدارة الموارد البشرية على تسكين الأشخاص المناسبين للوظائف المناسبة.
عملية التخطيط للقوى العاملة هي عملية محدودة ومقتصرة على متطلبات السوق، بينما عملية تخطيط الموارد البشرية هي عملية شاملة ومستمرة وتركز على التطور المستمر للمهارات والخبرات.
التخطيط للقوى العاملة يركز على توفير احتياجات المؤسسة من موظفين حتى ولو باللجوء إلى مصادر خارجية، بينما تركز الموارد البشرية على توفير احتياجات المؤسسة من خلال تطوير مهارات أفرادها.

بالنظر إلى الفروق السابقة، من الممكن أن تصدر حكمًا سريعًا، بأن تخطيط الموارد البشرية هي عملية أهم وأكثر قيمة للمؤسسة عن تخطيط القوى العاملة، وهو بدوره ما سيكون استنتاج خاطئ للغاية، حيث أن الاثنان مهمان للمؤسسة وضرورتان لبقائها في السوق، سواء كان ذلك بالنسبة للعامل البشري أو للشركة نفسها ككيان اعتباري.

ويرجع ذلك كون العمليتين-تخطيط القوى العاملة وتخطيط الموارد البشرية-يتم استخدامهم بكثرة طبقًا لحاجة المؤسسة، ففي حالة الدخول في مشاريع جديدة أو في اختراق أسواق حديثة أو في حالة البحث عن مهارات بعينها صعب توافرها بسهولة، تكون تخطيط القوى العاملة هي الأهم في هذه المرحلة.

اما فيما يتعلق بتطوير الكوادر البشرية داخلة المؤسسة وجعلها دائمًا مواكبة لمتطلبات السوق والتغيرات الحادثة فيه، فهنا تصبح عملية تخطيط الموارد البشرية هي البطل. لذلك من المهم أن تهتم كل مؤسسة بالعمليتين سواء كانت الحاجة إلى أي منهم حالية أو ستظهر على الساحة في المستقبل.

يمكنك معرفة المزيد عن تخطيط القوى العاملة وتخطيط الموارد البشرية من خلال زيارة كورس تخطيط القوى العاملة وتحليل البيانات المكون من ثلاثة أجزاء شاملة على منصتنا التعليمية، كما يمكنك تحميل مستند العقبات والتحديات التي تواجه إدارة الموارد البشرية pdf مجانًا كذلك.